الجمعة، 3 أكتوبر 2014

مناجاة لروح طفلة سبعينية





إزيك يا نينة؟ أكيد إنتي عارفة وحشتيني أد إيه. فاكرة آخر ساعة قضيناها مع بعض؟ أكيد فاكرة. أنا لسة فاكر الصورة اللي ما اتصورنهاش مع بعض زي ما اتفقنا، دي الذكرى الوحيدة اللي بتوجعني يا نينة، لكن هاتفضل جميلة رغم الوجع، جميلة عشان تفضل صورتك في قلبي حية بتنبض، بتنور لي عتمتي في كل حين وبتفكرني إن الحياة استثناء كبير زي ما علمتيني. أنا بقيت ضعيف وغريب عن نفسي قوي من بعدك يا نينة. باتخيل دلوقتي إيدك بتلمس خدي وعينكي بتلمع بكل الحنان اللي في الدنيا وبتقولي لي ماتخافشي، وتقرئي لي مطلع سورة ياسين، وتبتسمي لي في طمأنينة.

أنا عايز أكتب عنك كتير يا نينة. وخايف على طيفك اللي في قلبي يتجمد لو صبيته جوه الكلام، زي الطينة لما تتحرق في فرن الخزف. إنتي عارفة أنا باحبك أد إيه يا نينة، ونفسي العالم كله يلمس محبتك ولو بالكلام، لكن محبتك غالية، وأيوة أنا طماع، هاحتفظ بمحبتك في قلبي عجينة طرية، والغاليين بس هما اللي يلمسوها ويلمسوه.

صحيح نسيت أقولك كل سنة وانت طيبة يا نينة قبل كل الكلام اللي فات، النهاردة بقى عندك تلات سنين ويوم. تلات سنين ويوم في الجنة بإذن الله، يا رب روحك تفضل طفلة جميلة للأبد. ويا رب تكون هدايايا المتواضعة بتوصلك سليمة خالصة لوجه الله. أنا عارف إني مقصر في حقك إنتي وجدو كتير. سلمي لي عليه وبوسيهولي من راسه. أكيد إنتي حاسة أنا بقيت ضعيف أد إيه وهمتي تايهة مني، بافتكر أد إيه طبعك كان حامي وهمتك عالية واتكسف من نفسي، وأقوم أتحرك شوية. ادعي لي ألاقي المثابرة والعزيمة اللي بادور عليهم. عارفة يعني إيه مثابرة بالانجليزي؟ "بيرسفيرنس" لسة متعلمها الشهر اللي فات. معرفش ليه الكلمة دي ليها وقع مختلف على وداني. ادعيلي ألاقيهم وأحافظ عليهم يا نينة.

أنا باعد الأيام، عمري ما نسيت يوم. وده رابع رمضان من غيرك، ومن غيرك رمضان ملهوش طعم، ولا خطوتي ع السلم بعد الفجر من غير ما اطلع لحد شقتك ليها طعم، حتى التين اللي بتحبيه طعمه اختلف من بعدك، كل تينة أكلتها بعدك باقسمها نصين وأحلم بمرة واحدة أخيرة أأكلك فيها بإيدي. ده أول رمضان من غير عمة عزيزة. يا ترى هانتجمع إزاي على الفطار من غيركم النهاردة؟ أنا باحب عماتي كلهم، لكن هاتفضل لمتنا ناقصة كتير قوي من غير روحكم الصافية ومحبتكم الفياضة... «يا حبيبي» اللي بتنطقيها بمنتهى المودة والطمأنينة اللي في الدنيا، و«يا حبيبي» اللي عمتي بتنطقها باللهفة العجيبة اللي في صوتها، محدش في الدنيا هايعوضهم تاني يا نينة.


بقالي أسبوعين بافكر في أجمل هدية أجيبها معايا النهاردة، سامحيني ملحقتش أتم حفظ سورة ياسين زي ما وعدتك، لكني هاوفي بوعدي وأصلي لك بيها ركعة في كل ليلة من العشرة الأواخر بإذن الله. وسامحيني ملقيتش شجر تمر حنة في البلد، دورت عليها، لفيت شوارع فارسكور كلها بالعجلة أدور على نسمة شايله عبير التمر حنة؛ مفيش. عجيبة إن عمري ما فكرت أسأل جدو الله يرحمه بيجيب لك غصون التمر حنة منين. أوعدك لما يبقى عندي بيت هازرعلك فيه شجرة تمر حنة، واجيبلك معايا أحلى غصن منها كل مرة.

بيقولوا إن المحبة قوية كالموت... معرفش مين اللي قال، أنا فاكر إني قرأتها مكتوبة بجير أبيض على قالب طوب لبن وسط حيطة قديمة في مكانٍ ما معدتش قادر أوصلّه في ذاكرتي. إمبارح الفجر وأنا ماشي جنبك افتكرت الجملة دي وافتكرت محبتك. محبتك مش بس قوية زي الموت، محبتك غلبت الموت وبتغلبه كل يوم. محبتك خالدة في قلوب كل الناس اللي لمستي حياتهم. محبتك خالدة بدعواتك الطيبة المدهشة. أكيد إنت عارفة أن باتكلم عن إيه، عن «ربنا يحببك في الناس ويحبب الناس فيك.» عشان بعد ما روحتي عند ربنا فضلت أسمع صوتك بيدعي لي بيها، ولقيتني باقول لنفسي نينة تستحق إن دعوتها تتحقق، على الأقل أنفِّذ منها اللي في إيدي وأحب الناس اللي تقابلني. وبقوة محبتك يا نينة فضلت ماشي في الدنيا، وبنور محبتك بالاقي طريقي لربنا كل ما أتوه. وبدفئ محبتك باقاوم البرد اللي بيضرب عظامي وأشد روحي وعودي وأتجاوز خيبات الأمل. ولاجل محبتك الغالية باكمل بعد ما اقع. ولاجل محبتك باحارب التخاذل اللي بيشدني للأرض. لاجل محبتك باتعلم وباوهبلك ثواب كل حاجة باعلمها لحد جديد. فاكرة يا نينة لما مسكت إيدك بالقلم زي الاطفال وكتبنا اسمك مع بعض أول مرة؟ «أمينة محمد شعلان.» كتبنا أ مــ ــيــ ــنــ ــة بحروف كبيرة هشة ورقيقة. وضحكنا كتير يومها وسهرتي تكتبي اسمك مرة ورا مرة... وأد إيه كنتي مبسوطة وإنتي بتمضي على الورق بدل ما تبصمي، يمكن دي أكتر لحظة أنا فخور بيها في حياتي. فخور بـ جدتي، وأمي، وبنتي الصغيرة وصاحبتي وحبيبتي الأولى.

كل سنة وانت أطيب نينة في الجنة.

17 يوليو 2014.
تلات سنين فاتوا.