الخميس، 21 مارس 2019

أرحب سماء في عيونهما








»علمتني أمي كيف أكتب. وضعت رشة ملح في يدي وقالت ’’حفنة من الجواهر البيضاء الصغيرة، أنصتْ إليها ستحكي لك عن بحر وبحيرات وشعوب وجفاف وشمس‘‘. وعلمني أبي كيف أحكي. حطّم القيد حول معصميّ وجلس يراقبني في البحر كيف أخطو بين الملح والرمل. دفعني من ظهري وقال فلتكن الحكاية صادقة. علمني أبي التساؤل. علمتني أمي اللين. علمني أبي الصبر. علمتني أمي السكن. نسج أبي وأمي بيتًا دافئًا ووضعاه خلسة في حقيبة سفري. تغني أمي لحنًا خفيفًا في الصباح الباكر وتصدر تروس دراجة أبي الخفيفة أزيزًا أليفًا بينما ننحدر سويًا عبر طرقات مدينتنا الصغيرة في منتصف الليالي الصيفية عائدين إلى البيت. أبي وأمي غرسا الحب في صدري ألف مرة. علّماني كيف أحب نفسي أولًا. وعلّماني كيف أحب الآخرين أولًا. أمي وأبي شيّدا فنارة وديعة راسخة وسط الضباب. نقشا إسمي على مفاتيح المدينة. علّماني كيف أحب اسمي. أمي وأبي علّماني الرحمة. علّماني كيف أرعى هذا القلب الصغير والكلمات بالصبر واللين والمحبة. أبي وأمي يقولان كن كما تريد. كن طيبًا. كن سعيدًا. كن في رضا. يوقدان الشموع. يرممان قلبي كلما ضربه الحزن. يشيرانِ إلى النجوم البعيدة. يشيران إلى طريق البيت. يرتدي البيت صورة أمي ويرتدي صورة أبي ويقول لا تنسني. اكتبني تجدِ الطريق. أمي الطريق. وأبي الطريق. أبي وأمي الطريق. وهما الطريقة. وهما العش. والحَب. والحُب. والفرص الثانية. وهما الطفولة. ألف نافذة تطل على الكون. وألف وسادة مطرزة بالأقحوان والفل. ألف قُبلة على الجبين. وألف عينٍ باسمة. ودامعة. وألف ابتسامة حانية تسع الكون وتبّطن كل طرقاته بالخضرة اللامعة. هما الأزرق الدافئ. وهما السكين والقلم ولوحة الرسم ومُرُوج الأحلام. هما الذاكرة والمرآة والقنديل وجرعة الدواء. يقولان اكتب. كن بخير. انسج الحكايات. كن أمينًا. اخطُ بلا تردد. ارتد الدرع كاملة. افتح صدرك للنور. أبي وأمي يغرسان البِر في صدري ألف مرة. ذاكرتي ترسم غيومًا لبنية على جدران الدرج الصاعد أمام بابنا. نصعد درجاته سويًا نحو شجرتنا التي تسكن سماءً أخرى. نحملُ الحَب لعصافير. يناولنا أبي الفاكهة والحكايات –أنا واخوتي- ويقول تعلموا البِر. يهدر أبي كالرعد. تبكي أمي في هدوء الضباب. ثم يسكنان بخفة كصباح مشرق في آخر الشتاء. أكتبُ: هدى. أكتبُ: عادل. أكثر الأسماء ألفة. أكبر الأرواح رحابة. هما الريح تحملني عكس اتجاه النهر. هدهدة تجذب النوم الخائف في ليالي الأرق. وهما العيد والفراشة المضيئة في ليل الحديقة. والعبارة الغامضة التي تهمس في الخيال بكل احتمالات الكتابة. تعلمني أمي كيف أحب أبي. ويعلمني أبي كيف أحب أمي. ومعًا -أمي وأبي- يعلّماني كيف أكتب نفسي وكيف أكون«.

                                                                                                          21 مارس 2017