الاثنين، 29 ديسمبر 2014

على وجه الواحة تفيض الكتابة، على وجه القلب تحنو الواحة

الأحد 28 ديسمبر
(1)
1:30 صباحاً
أجلس ممتلئاً بالكتابة التي لا تفيض.

(2)
10:21 مساءً
أجلس بجوار بيت النار، ممتلئاً بكل أسباب الكتابة. السماء صافية، الهواء نقي، وأهل شالي سيوة يبشون في وجوه الأغراب.  وشجرة الليمون بجوار باب غرفتي تداعب أنامل الحلم. أجلس بجوار بيت النار وسط أرواح أليفة، أكتب. أكتبُ: قلبي أخضر، ينبض بالحرف ويفيض، تسيل الكتابة من بين أنامله المرتعشة. أكتبُ: الوحدة تسكن حين يلفحها برد الليل ثم تسقط عن وجهي وتتوه بين بيوت الطين والحجارة. أكتبُ: أطلال البيوت القديمة تأسرني. تبدو امتداداً للأرض والحجارة والشجر. كأحفورة قديمة تجري الحياة تحت قشرتها الرملية الهشة، تنمو على مهلها وتتنفس في ليل شالي الرائق. وتنمو في نفسي أمنية النجاة من المدن الشريرة كلها. تكفيني جنينة وحيدة وسط بحر النخيل وصفاء الزرقة الساحرة. أكتب عن قيود المدينة تكبل روحي ويديّ. عن قلبي المتخبط في الحب أكتبُ. وعن علاقتي القلقة بالكتابة. عن دخان الشيشة الوديع قرب بيت النار، وحشيشة الليمون في فنجان الشاي الصغير اللاذع. يبتسم عم أحمد العطار بينما يحكي. يقول تغيرت طباع أهل البلد كثيراً في السنين الأخيرة. تدمع عيناه ويفيض منهما حزنُ مرير. يضحك عمَ عثمان حين أطلب منه أن يعلمني أغنية سيوية. يقول لن تفهم مما أقول. ثم يغني ما يطيب له، أسأله كيف أكتبه فيقول لا تكتب. أسأله عن المعنى فيشرد لحظة ويحكي: يعني هاطير لعند الجبل وأمسك الغزال الأبيض.  بتحب يا عم عثمان؟ فيشرد مرة أخرى ويقول "طبعاً."

(3)
11:40 مساءً
أجلس بجوار بيت النار، وحيداً، وجه الواحة ساكنٌ تحت طبقة بردٍ متماسكة وصافية كهدوء ليلها. يتسرب البرد عبر نسيج جوربي، يزحف ببطء نحو عظامي ويلمس وجهي. تتوهج آخر الجمرات في وهنِ المسافر آخر ليلة طويلة، فتبدو المسافة بيني وبين بيت النار أبعد. أعيد قراءة المقطع السابق عدة مرات، أعيد النظر فيما أفعل به؟ أتذكر حديثي العابر إلى صديقتي «تفتكري القعدة في سيوة هاتفك عقدة الكتابة اللي ملازماني؟» وأبتسم ابتسامة حانية لأنني كتبت. أعيد النظر فيما كتبت وفيما لم أكتب. لم أكتب عن الفتاة التي غفت على كتفي للحظات عابرة، عن احتياجي للخروج في موعدٍ بسيط، عن اشتياقي لعروس شِعرٍ تسكنُ خلف البحار البعيدة. بساطة ميكانيكة الأقفال الخشبية على مجموعة الشبابيك تغريني بالبحث عن شيء مجهولٍ بداخلي. رائحة عروق الخشب الحمراء العتيقة الممتدة عبر سقف غرفتي تملؤني بشوقٍ لصوت أبحدية ناعمة تنساب بخفة وسط السحابات في فضاء صدري الحالم. وأكتب لصديقتي خلف البحار البعيدة: «أنا الجميزة الوحيدة وسط وادٍ أصفر/شجرة تحلم بريش كثيف وأجنحة فسيحة/ تحلم بالطيران نحو واديكِ الظليل لتصبح خضرتها شمساً رقيقة/ لتجفف الحزن الساكن في جداولك الصامتة/ وتذيب الثلوج على قمة قلبك/ أسبح هذا الصباح وسط بحرٍ نخيل/ ينقلب عالمي فأسقط من الموج الأخضر نحو الموج الأزرق الرائق، ولا أختنق/ يخفق قلبي على إيقاع حزنك وغيابك/ في ليلة هادئة وديعة كليلتي هذه أريد أشياء بسيطة؛/ أريد أن أمسح على رأسك، أن أقبَل يديكِ، وأن أنجز ما التزمت به من ترجمة قبل مقدمة الصباح./ حبيبتي، لا تنسي أن تطعمي الطيور العابرة،/ لعل أحدها يحمل إليك قلمي وأصابعي ورائحة قلبي/ وكرةً من خيوط كتابتي عنكِ./ لا تفزعي حين تصلك رسائلي، ورحمةٍ بي كفي عن الاختفاء خلف بحار بلادك. أمدّ يدي إليك عبر نافذة الشِعر وأقتبس* منه ما يحكي باباً من حكايتي:  

«أريد أن أختبئ في زهرة
خوفًا من القاتل
أريد أن يموت القاتل
حينما يرى الأزهار
..
أريد أن أفتح نافذة
في كل جدار
أريد أن أضع جدارًا
في وجه من يغلقون النوافذ
..
أريد أن تكون الكلمة
شجرة أو رغيفًا أو قبلة
أريد لمن لا يحب الشجر
و الرغيف
و القبلة
أن يمتنع عن الكلام
»
                                    ابتسمي عزيزتي.



---

*من قصيدة غير معنونة لرياض صالح الحسين


الجمعة، 3 أكتوبر 2014

مناجاة لروح طفلة سبعينية





إزيك يا نينة؟ أكيد إنتي عارفة وحشتيني أد إيه. فاكرة آخر ساعة قضيناها مع بعض؟ أكيد فاكرة. أنا لسة فاكر الصورة اللي ما اتصورنهاش مع بعض زي ما اتفقنا، دي الذكرى الوحيدة اللي بتوجعني يا نينة، لكن هاتفضل جميلة رغم الوجع، جميلة عشان تفضل صورتك في قلبي حية بتنبض، بتنور لي عتمتي في كل حين وبتفكرني إن الحياة استثناء كبير زي ما علمتيني. أنا بقيت ضعيف وغريب عن نفسي قوي من بعدك يا نينة. باتخيل دلوقتي إيدك بتلمس خدي وعينكي بتلمع بكل الحنان اللي في الدنيا وبتقولي لي ماتخافشي، وتقرئي لي مطلع سورة ياسين، وتبتسمي لي في طمأنينة.

أنا عايز أكتب عنك كتير يا نينة. وخايف على طيفك اللي في قلبي يتجمد لو صبيته جوه الكلام، زي الطينة لما تتحرق في فرن الخزف. إنتي عارفة أنا باحبك أد إيه يا نينة، ونفسي العالم كله يلمس محبتك ولو بالكلام، لكن محبتك غالية، وأيوة أنا طماع، هاحتفظ بمحبتك في قلبي عجينة طرية، والغاليين بس هما اللي يلمسوها ويلمسوه.

صحيح نسيت أقولك كل سنة وانت طيبة يا نينة قبل كل الكلام اللي فات، النهاردة بقى عندك تلات سنين ويوم. تلات سنين ويوم في الجنة بإذن الله، يا رب روحك تفضل طفلة جميلة للأبد. ويا رب تكون هدايايا المتواضعة بتوصلك سليمة خالصة لوجه الله. أنا عارف إني مقصر في حقك إنتي وجدو كتير. سلمي لي عليه وبوسيهولي من راسه. أكيد إنتي حاسة أنا بقيت ضعيف أد إيه وهمتي تايهة مني، بافتكر أد إيه طبعك كان حامي وهمتك عالية واتكسف من نفسي، وأقوم أتحرك شوية. ادعي لي ألاقي المثابرة والعزيمة اللي بادور عليهم. عارفة يعني إيه مثابرة بالانجليزي؟ "بيرسفيرنس" لسة متعلمها الشهر اللي فات. معرفش ليه الكلمة دي ليها وقع مختلف على وداني. ادعيلي ألاقيهم وأحافظ عليهم يا نينة.

أنا باعد الأيام، عمري ما نسيت يوم. وده رابع رمضان من غيرك، ومن غيرك رمضان ملهوش طعم، ولا خطوتي ع السلم بعد الفجر من غير ما اطلع لحد شقتك ليها طعم، حتى التين اللي بتحبيه طعمه اختلف من بعدك، كل تينة أكلتها بعدك باقسمها نصين وأحلم بمرة واحدة أخيرة أأكلك فيها بإيدي. ده أول رمضان من غير عمة عزيزة. يا ترى هانتجمع إزاي على الفطار من غيركم النهاردة؟ أنا باحب عماتي كلهم، لكن هاتفضل لمتنا ناقصة كتير قوي من غير روحكم الصافية ومحبتكم الفياضة... «يا حبيبي» اللي بتنطقيها بمنتهى المودة والطمأنينة اللي في الدنيا، و«يا حبيبي» اللي عمتي بتنطقها باللهفة العجيبة اللي في صوتها، محدش في الدنيا هايعوضهم تاني يا نينة.


بقالي أسبوعين بافكر في أجمل هدية أجيبها معايا النهاردة، سامحيني ملحقتش أتم حفظ سورة ياسين زي ما وعدتك، لكني هاوفي بوعدي وأصلي لك بيها ركعة في كل ليلة من العشرة الأواخر بإذن الله. وسامحيني ملقيتش شجر تمر حنة في البلد، دورت عليها، لفيت شوارع فارسكور كلها بالعجلة أدور على نسمة شايله عبير التمر حنة؛ مفيش. عجيبة إن عمري ما فكرت أسأل جدو الله يرحمه بيجيب لك غصون التمر حنة منين. أوعدك لما يبقى عندي بيت هازرعلك فيه شجرة تمر حنة، واجيبلك معايا أحلى غصن منها كل مرة.

بيقولوا إن المحبة قوية كالموت... معرفش مين اللي قال، أنا فاكر إني قرأتها مكتوبة بجير أبيض على قالب طوب لبن وسط حيطة قديمة في مكانٍ ما معدتش قادر أوصلّه في ذاكرتي. إمبارح الفجر وأنا ماشي جنبك افتكرت الجملة دي وافتكرت محبتك. محبتك مش بس قوية زي الموت، محبتك غلبت الموت وبتغلبه كل يوم. محبتك خالدة في قلوب كل الناس اللي لمستي حياتهم. محبتك خالدة بدعواتك الطيبة المدهشة. أكيد إنت عارفة أن باتكلم عن إيه، عن «ربنا يحببك في الناس ويحبب الناس فيك.» عشان بعد ما روحتي عند ربنا فضلت أسمع صوتك بيدعي لي بيها، ولقيتني باقول لنفسي نينة تستحق إن دعوتها تتحقق، على الأقل أنفِّذ منها اللي في إيدي وأحب الناس اللي تقابلني. وبقوة محبتك يا نينة فضلت ماشي في الدنيا، وبنور محبتك بالاقي طريقي لربنا كل ما أتوه. وبدفئ محبتك باقاوم البرد اللي بيضرب عظامي وأشد روحي وعودي وأتجاوز خيبات الأمل. ولاجل محبتك الغالية باكمل بعد ما اقع. ولاجل محبتك باحارب التخاذل اللي بيشدني للأرض. لاجل محبتك باتعلم وباوهبلك ثواب كل حاجة باعلمها لحد جديد. فاكرة يا نينة لما مسكت إيدك بالقلم زي الاطفال وكتبنا اسمك مع بعض أول مرة؟ «أمينة محمد شعلان.» كتبنا أ مــ ــيــ ــنــ ــة بحروف كبيرة هشة ورقيقة. وضحكنا كتير يومها وسهرتي تكتبي اسمك مرة ورا مرة... وأد إيه كنتي مبسوطة وإنتي بتمضي على الورق بدل ما تبصمي، يمكن دي أكتر لحظة أنا فخور بيها في حياتي. فخور بـ جدتي، وأمي، وبنتي الصغيرة وصاحبتي وحبيبتي الأولى.

كل سنة وانت أطيب نينة في الجنة.

17 يوليو 2014.
تلات سنين فاتوا.


                              

السبت، 27 سبتمبر 2014

Almost 23, Almost Alive



I'll be 23 in one month and 23 days, and it just doesn't feel right. It feels like sadness, loneliness and panic. I'll be 23 and I am lost in self-doubt, in demotivation and in the persistent desire to quit everything and run. A desire to pursue my culinary interests, a silent urge to run endlessly in a remote desert at sunset, to run until my soul is a little lighter, to learn swimming properly, to recite poetry in a new softer language, to fully feel Italian operas, to explore a tiny tropical island, to build a new story of fragile sea shells, blue sands, green leafs, my own blood and warm breath, of sweat and grey hairs and memories, all glued together with words; my soul ... I'll be 23 and all I want at the moment is not to live another day with that ghostly loneliness echoing against the scratched walls of my big heart. To end the silly hide and seek game that my dreams are forcefully playing with me, to achieve the joy of writing THE END at the bottom of a new book, my book, to silence all the voices inside me.

Last night a friend of mine told me to stop being so selfless in love, because every time I fell in love, I fell hard. In my new year I’ll promise myself not to fall in love again, a broken promise. Last night I wrote to her that she is my butterfly; I unconditionally admire the hidden beauty beneath her caterpillar skin, that my soul relates to hers, and it feels like belonging to her, where I was finally found … and the pile of the sad dusty letters is growing taller on the nightstand because she never gave me her address. I believe she is as lost as I am, but what are the odds of two lost young people spending their life together? Thousands of miles keep us apart, figuratively and physically, a caterpillar and sycamore seed, full of the desire to taste the sun glow, full of fear and disappointments.

“Am I right for such a relationship?
Do I deserve the glory of being a sycamore tree?”  

Five years ago I wanted to be a kid once more. Today I want to have my own kid. I can’t call it fatherhood because it's not; it’s just a weird surprisingly unexpected feeling invading my heart and fingertips. Why a 23-year young man would desire a son or a daughter? Shouldn’t I be desiring something different at this stage of my life; catching the soul of my second language, practicing saxophone, learning Russian, saving money for a trip in the Alps, working out to be in shape… anything but a son.

O’ Allah,
My life is full of your amazing grace,
And I am lost.
I know you're listening...
Grant me perseverance,
Calmness,
And love;
Your love.

السبت، 6 سبتمبر 2014

حتى الثمالة أكتُب، حتى الثمالة....



«...
أسمع أمي الجميلة النقية تغني:

«ممكن نوصل أبعد نجمة
ممكن نكتب أصعب كلمة
لو نتعلم..
إزاي ناخد..
أول خطوة..»
وأعاهد نفسي أن أخطو خطوتي الأولى... الآن!

أقرأ ما نقله نيبو عن فرانسواز ساجان «عليّ أن أبدأ الكتابة لكي تأتيني الأفكار» وأقول لنفسي لما لم تبدأ حتى الآن... لما تخشى البدايات بكل هذا القدر... لما تتراجع، لما تتقهقر... أعرفُ أنك تخشى غموض ما قد يأتي... أعرف أنك تهاب المغامرة التي عليك ان تواجهها قريباً... التي ستفقد مفاتيحك إليها إن لم تجمع شتات نفسك وتنجز ما عليك أن تنجزه.

عليك الآن أن تقف، أن تشد عودك كرجل شجاع يسعى لإتمام رحلته، وأنت تعلم أن إتمام هذه الرحلة يضعك على عتبة رحلة أكبر ومغامرة أكثر إثارة، وغموض لذيذ وكتابة لا تعرف طعمها حتى الآن... وأنت تعرف أنك تحب الكتابة حتى التخمة، لا شيء يرضيك مثلها... ربما قُبلة مشتهاة... ربما حضنٌ طال انتظاره. وأنت تعرف أن الكتابة ستقودك على الدرب، أنت تعلم أن الكتابة هي سيفك ودرعك وهي مفتاحك وحذاؤك المريح... هي الدرب والفرس وقنديل الزيت... هي أوراق الشجر، وهي النسيم العبِقُ برائحة المحبة... وهي شربة الماء الهنية بعد رحلة شاقة... أنت تعرف أن مهمتك الكتابة، فأكتب، ولا تنظر خلفك.. لا ترهق نظرك فيما يدور خلف الأفق.. نظرة في محل خطوتك تلزم الآن، ونظرة تمهد للخطوة التي تليها...

الآن تكتب حتى تصل إلى بئر راحتك المؤقتة..
الآن تكتب حتى تصل إلى بقعة عشبٍ وثيرة مطمئنة..
الآن تكتب وحسب،
لا تشغل نفسك بلون النهايات،
لا تشغل نفسك بمثالية خطوتك المطبوعة بين السطور..



الآن تكتب.
تكتبُ... تكتبُ.. تكتبُ

تكتبُ حتى الثمالة..»


السبت، 16 أغسطس 2014

دورة حول شجرة الاحلام في صباح نوفمبر



-1-

حلمت إن جايلي شغل في طنطا، وفيه واحدة غجرية ساحرة متجوزة فلاح عجوز عنده حماره زرقا والقطر فاتني واصحابي أخدو شنطتي وسابوني نايم ع الأرض بالبوكسر، ولقيت شجرة عجوزة في وسط الأرض لما لمستها طلعت هدومي القديمة -زي ما هي قديمة- بس على مقاسي، واضطريت أعطي محاضرة في المنطق الأرسطي لاخوات الساحرة الغجرية عشان يبطلوا سرقة من لبن الحمارة الزرقا بتاعة الفلاح العجوز والساحرة أخدتني تفرجني على بيتها، باب أزرق كبييير مشغول بالنحاس اللي بيلمع زي النجوم ومقعد عالي في قلب محراب أبوها... وشمس دافية حزينة ورا ستاير سرير أمها المبروكة، لما أمها خرجت من باب الأوضة على الجنة، الشمس دخلت حزنانة مكانها... قفلت كل الأبواب والشبابيك وكمكافأة، ضمتني في حضنها زي الرضيع، حضن كبيييييير زي أحضان جدتي... وبعدين طلعت أجري ورا خطوط الأرض الواسعة المحروتة، ودماغي فيها مشاهد من قطر ركبته زمان... وفضلت أجري، جنب الطريق باجري، تحت الكباري باجري، ورا القطورات باجري... لحد ما وصلت أوضتي ودخلت سريري وصحيت تعبان من كتر الجري


-2-

وحوزة عايز يرقص لحد ما يدوخ... والأوضة أرضها باردة، وتزحلق، وأبيات الشعر موصودة بطلاسم من ورا البحر... والترجمة واقفة على باب الأوضة خايفة تخش... وأشباح الفيران البيضا بتعدي بسرعة من تحت الكرسي.. والروح تعبانة ومش عارفة تنام.. وحاجات تانية كتير شكلها شبه المزيكا ملهاش صوت، ألوان تايهة في أركان الأوضة وأصوت بتضيع في الشباك المفتوح... والشباك بعيد... وكلامي بقى مش مفهوم.. وشمس الشتا كسلانة واللون الأزرق نايم فوق الغيم... وأنين الناي بيتسرب بهدوء من بين أوراق الأشجار وفروع الشجرة بتتغنج في دلال نعسان... والأقلام راحت تشرب من البحر مارجعتش.. والاوراق ولا حاجة بترويها غير الروح.. والروح سابحة في الملكوت.. اولها عندي وآخرها أبعد بكتير من نظري الضعفان... والكوابيس بتنهش في أحلامي... وأحلامي بتطلع فوق الشجرة وتحاول تطير وساعات كتير بتقع للكوابيس.. بس في مرات بتلاقي حبال من الروح ممدودة بين الأشجار.. والأحلام مش زي الروح، تتمرجح آه، تتشغلق تتشقلب تسبح... كل ده آه، لكن الطيران مش ليها؛ ودي حاجة ع الصبح حزينة... ومحدش غيري شايف الحوت الأبيض الكبير اللي واقف قدام شباكي من امبارح ومش عارف يعيط... حتى الحوت كان تايه، وقلبه الكبير مفزوع... والتفكير بيجيبله اوجاع مش مفهومة... الغربة غريبة؛ ساعات مثيرة، وساعات مؤلمة.. ترفعك لفوق... لفوق خالص، وتسيبك متعلق! والنوم نعمة؛ بيقفل أبوابه عليك، ولو ربنا بيحبك هايوديك مطرح بتحبه، تتصبر بيه، لحد ما تلاقيلك بيت... وتفتح عينك: عين بتنصت لدفقات الدم في أوصال الدنيا، وعين ع البيت اللي في حلمك... وتغمض عينك تاني وتفتّح قلبك، تسحب نفس كبير أد الدنيا -ومش هايكفيك- وتدور زي المجذوب، تدور بجنون.. وتطير كل الأوهام من على روحك وتدوخ كل الكوابيس وتخطي -وانت بتترنح- خطوة فخطوة وتبدأ يومك بسؤال...



ورقة من مذكرات الخميس 7 نوفمبر 2013



الأحد، 20 يوليو 2014

وشوشة الجميزة في ليل ديسمبر



(1)
العاشرة إلا ربع مساءً... أصبحت الحادية عشرة والربع تقريباً... أهذي في كتابتي... صديقتي التائهة بتحكي لي عن اكتئابها الآسر وعثرتها المؤلمة، وكل ده مفيش منه قلق حقيقي، لأني عارف إن وحدتها خلف البحار في مواجهة أزمتها هي مشكلتها الأولى... ومفيش في إيدي غير إني أنصت لها، وأدعي بإخلاص.

(2)

الثانية صباحاً...

بافكر أعرض نفسي للتبني -جزئياً- أثناء إقامتي في القاهرة، خصوصاً إني طفل كبير مُسلي ومُطيع ومُرتب ومابعملش دوشة، وباعرف أطبخ كويس جداً في وقت فراغي، وبشكل عام أي أب وأم يتمنوا كائن حوزوي مكلبظ في بيتهم.

ده غير إن أنا جعان جداً، لسة مخلص فاينال بريزينتيشن لمشروع الترجمة من ساعة، وعايز أبدأ أكتب المقالة اللي هاسلمها لدكتورة الأدب البريطاني بكرة (ومفيش بيني وبين الست دي أي عمار) وأجهز للبريزينتيشن بتاعة بحث كورس الكتابة التحليلية... ليلة طويلة وبعدها يوم أطول... وكرشي الكبير مش هايسيبني في حالي النهاردة....

دكتورة الكتابة الإبداعية طلبت مني أكتب قصيدة حرة باتخيل فيها محمود درويش وهو بيقرأ... وقصيدة "درس من كاما سوطرا" عمالة تلعب في دماغي.... بسبع وسائد محشوة بالسحاب الخفيف... انتظرها! والجبال تطير في الهواء زي كوكب بندورا، والسما صافية مفيهاش ولا سحابة...

وأنام، فيدخل أبطال المسرحية اللي باترجمها، وينوروا النور ويدبدوا برجليهم على خشبة المسرح، ويزرعوا شجرة كبيرة في وسط دماغي الصغيرة... والشجرة تكبر بسرعة مدهشة وفروعها تخترق السقف وورقها المنمنم بينور الأركان المعتمة اللي فوق...

ولسبب غامض باحلم بالتلج، وإن الشجرة الصغيرة البشعة اللي تحت بلكونة أوضتي في فارسكور بقت شجرة جميز كبيرة أطول من البيت نفسه... وإن الأرض مرصوفة اسفنج والناس كلها بتتنطط في الشارع...

وأصحى من الحلم جوة الحلم، الشجرة بتغير جلدها، وعطر خشبي محير مالي الجو، عطر مدهش ريحته شبه اللمون والقرفة والمستكة والعيش السخن والكمون المحمص.... وزحليقة كبيرة مصنوعة من لحاء الشجرة بتوصل بلكونتي بالشارع... وابن عمي الصغير بيغني في البلكونة وبيطير لبيت الجيران....

وشهرزاد كورساكوف طالعة زي الحلم من قلب الشجرة، وأنا سكران م البرد ومن العطر اللي مسيطر ع الجو...
احساس مُريح، راحة آسرة شبه الطمأنينة في حضن بابا وشبه وقوف الزمن والدوبان في حضن ماما...

وعشان أحضانهم أكمل من الأحلام وأجمل منها، الإحساس ده ما بيكملش.. وأرجع أفوق، أحسس على السرير أدور على النظارة، أعد من واحد لخمسين في خيالي، وأحبس نفَسِـي ست سبع ثواني.... كده اتأكدت إني صاحي، وإني لازم أقوم. وأقوم. أرتب السرير، وبرد البلاط يلسعني. في الحقيقة ده مجرد وهم...

(3)
أقعد قدام اللابتوب، لسبب ما شبح هارد هاتفيلد مسيطر على صوابعي، مجرد ما أمدها على لوحة المفاتيح أفتكره في دور دوريان جراي، نظرته الحالمة ونص الابتسامة البريئة المرسومة على وشه، وأد إيه أنا مفتون بعزفه على البيانو... ولسبب أكتر غموضاً، نظرة عينيه المحيرة بتفكرني بنظرة حسين في الباب المفتوح... عشرين سنة فرق، وشخصيتين مختلفتين تماماً، وأشباح كتيرة ودلالات متباينة وأجندات سياسية وأحلام وأوهام وبلاوي متلتلة على دماغي، كلها بتتقابل في دماغي، وبتعمل دوشة في أكتر وقت انا محتاج فيه تركيز... وبلاوي أكتر جاية في السكة لو مبدأتش أكتب اللي الدكتورة عايزة تقراه بكرة الصبح...

(4)
وأسمع مزيكا شبه الحلم قبل ما أنام... وأسرح:



الاثنين، 14 يوليو 2014

هاتعمل إيه يا ولد












وهاتعمل إيه يا ولد
في قلبك المقبوض
وقطعة الكهربا
والناموس اللي بيلسع من فوق الغطا
والعتمة
والوجع

ليل الصيف المخطوف
وحر الليل غلب حر النهار
وتقاسيم ع الكمنجة مكتومة في صدرك
والعتمة أتقل م النور في قلبك
والدوشة في الشارع رغم العتمة طالعة
ونسمة طراوة على استحياء
وحيرة
ونفحة منتظرة من الفجرية
وغجرية مسحورة بتستناها
والنوتة سلالمها مكسورة

والحيرة
والعتمة
والوجع
وريشة المروحة الساكتة
وصوابعك المشلولة عن الكتابة
وأفكارك الشاردة
والصبر
وأستاذك الطيب
وواو العطف
بتلضم تفاصيل المسا
في عُقد في خيالك
نقطة من وجع روحك
متدوبة في بحر أبيض
من الياسمين

دم المحابر
محبوس تحت طبقات الأسى
متحاصر بالمخاوف
مخلوط بالدموع
ودخان الشموع
وأحلام الورق
وقلبك المقبوض
ينتفض
ينصعق بالحزن
ينتفض
يدوق طعم الهلع
ينتفض
كل شيء في بحر الياسمين أبيض
قلبك المقبوض
يسكن
يدوق النور
ينتبه على لسعة ناموسة
يكتشف سكون آخر ساعات الليل
ويتوه في حيرته
ويكتب كلام
مفكفك زي حلمه


وهو صغير كان بيحلم بالسما
نجومها قريبة
مش ناقصه غير إنه بس شوية يكبر
ويلمسها
ويعرف طعمها
لكنها
طلعت أكبر.


الأحد، 15 يونيو 2014

Voices In The Heart


That voice isn’t mine
It doesn’t feel like me anymore…
When I look at it
In the eyes of the people around me
It looks different...
“Hopeful,” they would say
“Dreamful”
And “ambitious...”
Except mom
“Oh, my poor baby,” she says.

All that pain!
Hope it guide you to brighter paths
Where you find your deserved peace
Fulfilled dreams
And sincere loved ones.
But my voice’s heavy
In my shaky hands
Whenever I speak
Its thrones etches in my chest
I barely resist the pain…

And I, I write…  
I write to soothe the etching heart.
I write to be a little lighter,
Conquering my little death with letters and phrases
Covering my heart with shields of stone-hard words
My soul sprouts little green dreams
Weak as my voice,
Distant as my memory
Of how my voice used to be…

These memories
Are how I keep moving forward…
And I’ve only increased in predilection over the hardships.
Predilection to reclaim my stray voice
To reconcile with my heart
And befriend my new alphabet.
Maybe I am not looking hard enough
Maybe I am looking in the wrong way
Maybe I should stop looking
And start working.
It’s hard to fall in doubt
And harder to be motionless,
Passionless,
Lifeless...
My heart is splitting
Over submission to the failure
-Because it’s easier!-
And resisting the fall...
Collecting the remains of achievement
Gluing it together with the fainting dream
And building small steps...

One step
Over the other
And I am free, again.


السبت، 14 يونيو 2014

قليل من السحر


قليل من السحر
يضبطُ إيقاع الحياة
على اهتزازات أوراق الشجر
يرفع الرحلة على عرش التجربة
يسكب الفرحة في كؤوس البدايات
وينفض الهم عن أكتاف النهاية المُرهَقة

قليل من السحر يكفي
ليغرسَ في الدربِ برعم نور
يزهر في وجه الاحتمالات
ويكسر اندفاع سيل الغموض
وسط سهول الغدِ

قليل من السحر يكفي
ليغرس حبة خضراء في القلب
تزهر في الأشهر الذابلة
تحنو حين يغيب الأحبة
تحكي حين يهرب الليل منا
حكاياتٍ عن الندى والمدى والمطر
تشير إلى الشمس حين يغيب النهار
وتثمر عصافير بيضاء وسحباً رمادية صغيرة

قليل من السحر يكفي
لترقص أوراق الشجر المنفوضة
على وقع خطواتنا الصاخبة
لتهرب زهرات من انقضاء مواسمها
ولينفض طير أجنحته من بين براعم العشب العشوائي
حول شجرة تين
يكفي ليطفو محصول قمحٍ لأعلى
في رحلة أبدية
نحو نور بعيد

قليلٌ من السحر
يكفي
للمس تجاعيد وجه الحياة
يكفي
لنحترف السير
على خيوط الروح الممتدة بين القلوب
يكفي
لنبني في عتمة الليل مدينة
من بيوت الشعر
يكفي
لحياكة نهر حكايا جديدة
يجري بين بيوت مدينتنا
يدور حول جبال الأمنيات
ويصعد نحو سماء بعيدة
يخلط الغيم بالطمي
ويغرس فيه
قلوباً خضراء
وقناديل مضيئة




الخميس، 24 أبريل 2014

من أخبار ما شهدته شجرة المانجا في الصيف الماضي

               



كان النسيم عليلاً، رغم الساعة الثانية ظهراً وموجة الحر المبكرة، وكان غناء العصافير شهياً واستدارات ثمار المانجا الخضراء الصغيرة مغرية بالأمل في الحياة... وكنت أجلس هناك تحت شجرة المانجا، مواجهاً أميرتي البيضاء... أحاول بجهد كبير أن أستجمع شتات أفكاري وشجاعتي وجرأتي... أحاول تعطيل كل منبهات الأخطار بداخلي، أتجاهل صوت العقل، أعزف كل الموسيقى الملحمية في ذهني، ثم أعزف كل مقطوعة مسالمة في اللحظة التي تليها، يدور الكلام منغماً في ذهني لكنه لا يخرج أبداً للنور.. وأعرف أنني أمضي إلى ما لست أعرف...


أجلس بجوارها، أدرك أن على وجهي ابتسامة غريبة، تتراوح بين الخجل ونشوة السعادة... صامتاً، أحاول أن أنطق ولا أستطيع.. أحرك شفتي بغير صوت، أنظر في عينيها أتأملها، أحاول أن أتأكد للمرة الألف ألف أنني لن أُميلَ قلبي إلى فراغ... أبتسم وألعب الموسيقى في عقلي، أصوات جوقة من الاطفال تهدهد روحي.... قلبي مرتبك، أعصاب ساقي اليسرى تتحرك بغير إرادتي، يدي ترتعش خفية... ترتسم الحروف مرة أخرى ولا تبين لها...


وكانت أميرتي جميلة، ربما أكثر جمالاً من كل مرة مضت.... وكنت أعلم أنها تتوقغ اعترافاً من نوع ما، كنت أعرف أنها تحدثت إلى صديقنا المشترك بشأن ذلك المجهول الذي دعاها إلى الغداء، لكن لم أعلم أنها تستبعد أن يميل إليها لأنه (أكثر روعة؟) مما تستحق هي! – بينما هي لا تعلم أنني أراها الأكثر روعة، والأطيب روحاً والأنقى.. الأنقى مما أنا عليه... 


ثم أُخبرها.... أُخبرها ان "حكايتنا" تحتاج مدداً عظيماً من الشجاعة لتُروى... أُخبرها أن الحبَّ يقشِرُني كالبرتقالة؛ يفتحُ في الليل صدري، ويتركُ فيهِ: نبيذاً وقمحاً وقنديلَ زيتْ. أُخبرها أن قلبي تعب من التقلُّبِ: يبحث عن قلبٍ يؤمن به يستند إليه... وأن غاية سعادته في سُكناهما، لكنه يخشى أن يميل إلى فراغٍ مرةً أخرى فينكسر... وأُخبرها أنها إذا ما أمالت قلبها قليلاً نحو قلبي لربما سكن القلبان وأنبتا برعماً جديداً يُزهِرُ بصفاء الحياة... ولا أُخبرها أنَّ حنيني يكوي أضلُعي، لا أُخبرها كم أشتاق... أتلعثم حينَ أنظرُ إلى عينيها مرة أخرى.. وتغمرني روحُ طفولةٍ آسرة... لا أقولُ من ذلك كله حرفاً واحداً... أبني كلماتي وأهدِمُها مرة تلو الأخرى.. ولا أدري ما الذي تخشاه.. أتساءل أين المعنى وأين الحقيقة.. أميرتي البيضاء المشرقة: أين السبيل إلى عينيكِ؟... تماسكي قليلاً ولا تكُوني عصفورةً هاربة!