السبت، 10 يناير 2015

محبرةٌ جافة ودواءٌ مُعتّق



أردت أن اكتب عن عجزي عن الكتابة. عن طرق رأسي عشرات المرات بباب الصفحة حتى يسيل منها الحبر، ويتخثر على وجهي دون إجابة. أردت أن أكتب ولم أستطع. فتحت دفتري القديم وأخذت أبحث عن آثار عجزي وسط أكوام الكتابة. أتساءل لما تتعاظم هشاشتي كلما خطوت على الدرب. أجد من كنتُه يبحث -واعياً- عن شفائه وسط الكتابة/ فأشفق عليه. أنزع عنه ما ستره من الكتابة وأعيد حياكته، وأشك في إيماني للحظات طويلة... أين تختبئ آلهةُ الكتابة؟

أطوي الأيام مثل طرفي كوفيّة صوفيّة قديمة.
الأربعاء 7 نوفمبر 2012
الجمعة  9  يناير 2015


أعقد الخيط قرب نهاية نهار شتوي بعيد...

(1)
الرابعة عصراً


الكتابة أحياناً تشفي... وأنا في هذه اللحظة في أمس الحاجة إلى الشفاء!








هناك دخان ما محبوس بصدري منذ الأمس... ولا أدري كيف أتنفسه! 
وسلك شائك يعتصر القلب في صدري، يدور حوله فيأتيني نبضه غريباً موجعاً؛ ليس نبضي..

وأريد أن أبكي.. 
ربما أحتاج وجبة لحمٍ مطهية بالحبِّ وقِدراً من "شوربة" أمي الساخنة!

وأسير باحثاُ عن قصيدة لا أعرفها كالمحموم/ كالمحموم قضيت الليلة الماضية، معظمها، أبحث عن قصيدة تطفئ ظمئي المجهول/ تملأ شقوق أرضي بطينة طيبة وحروف خصبة منجرفة عن وجه القصيدة... لم أجدها بعدُ.... 

وأهرب من شيئ لا أعرفه، كالمُطارد في عمق ظلمة...
وأريدُ أن أبكي...

أريدُ أن أُدفن تحت جبل من ماء الفرودس المُحير.. حالاً والآن... أشتهي تلك النهاية/
وقبل ذلك الموت أريد أن أصلي العشاء، ثم أصلي أجمل ركعتين أهبهما لجدي الراحل، ثم ألحق به هناك؛
هناك في الأرض الفيروزية الهشّة..

ولما لا أكون قرميدة بين درجات السلم الموسيقي الصاعد نحو أرض الحكايات الخضراء العتيقة/ أتسائلُ/ لما لا أتماهى بين النغمات وعلامات النوتة؟

وأحاول أن أحتوي العالم في شهيق هائل واحد/............./ ثم أزفره في تنهيدة غاضبة 
تغسل قشور الاكتئاب عن وجهي، تهز الجدران الرطبة المائلة على صدري، ربما تسقطها..


(2)
العاشرة مساءً

أكتشف أن الكتابة لا تشفي أحداً/ أو لا تشفيني أنا... الكتابة تستأصل جزءاً مصاباً من الإدراك أو الشعور وتدفنه في أفقية الصفحات.

عندما أصابني الحب.. أصابني هوس بالكتابة... وعندما تلاشى ظِّلُ الحب عن حقلي وسقط الريش عن أجنحته الدقيقة اشتد هوسي بالكتابة... وحين لا أكتب أكتئب/ أمرض... تحتبس الأحرف في قلبي تجرحني زوايا رسمها الحادة، تخترق بطانة قلبي وتخدش رئتي فتسيل أنفاسي... أضغط على أصابعي لتستمر في الكتابة وليستمر النزيف.

ولست أدري حقاً كيف نزفت هذا البحر الصغير وما زلت أكتب. لست أدري كيف أكتب أو لمن/ لماذا/ إلى متى..... لكنني لا أسكن. للكتابة شهوة تتملكني، تغوويني بالاصغاء للتفاصيل الصغيرة. تغمرني بشهوة لنسخ العالم مبنياً على ورقة. نقطةُ حبرٍ ترسم قمراً على خد فتاة سارحة/ ترسم فيلاً أبيض يركض وسط الغيم/ تعلّق قلباً خاوياً بين أغصان شجرةٍ عتيقة فيسكنه الفطر والطحالب الخضراء الدقيقة/ ثم تهيج الفئران المختبئة خلف عباءة الليل تخدش وجه القمر، وتخلط لها السم بالحليب المتخثر على درب النجوم.

أصغي أكثر فيتناغم قلبي مع دفقات المحيط البعيد، ثم يتناغم مع دفقات الماء في شرايين الأشجار القريبة. أنصت لهمس الفتاة الساكنة في حضن فتاها في المقعد المجاور لي في آخر باص هارب من حرم الجامعة. أصغي لتبرّم النخلات الستة أمام كلية الآداب من صخب الجالسين حوالها نهاية كل يوم، وهرير القطة الرمادية السعيدة التي تأتيني حين أجلس بمفردي تحت شجرة الليمون خلف المكتبة... أنصت. أٌنصت أكثر. أدفئ الأصوات يأتيني مكتوماً. صوت ابتسامة جدتي المختزنة كهالة سحرية حول خط يدها الهش على اللوحة الورقية المثبتة أمامي؛ أكتب لها الدليل، وأرسم الأسطر الأفقية ثم تكتب هي ممتلئة بحماسة الأطفال: "أمينة محمد شعلان... أمينة محمد شعلان... أمينة محمد شعلان...."



في الليل أفتح دفتري القديم. 
أصغي لنبض قلبي
خافتاً في البرد. 
أنزع أثوابي القديمة عن صفحاتها، 
أرقِّع ثوب الليلة بها،
أشدُّها على أصابعيَ المجروحة
أقدامي المتقرحة إثر الصعود الطويل،
ومقبض القلم
وكعب كتابي العتيق الخالي/
أقطِّر الحبر الجاف عنها قطرة قطرة
أتجرعه
يختلط الحبر بالقلب/
وأصلّي 
لعل باب الليلة الموصدة في وجهي 
يلين
ولو مقدار صفحة
أو طول قُبلة مشتهاة.